لطالما شكّل ملف المياومين في إدارات الدولة اللبنانية مادة دسمة، واليوم يبرز مجددا بعد الكتاب الذي أرسله وزير الطاقة ريمون غجر الى مجلس الوزراء بموضوع "الاستعانة باليد العاملة (غبّ الطلب) في المؤسسات الخاضعة لوصاية وزارة الطاقة والمياه"، وفيه عرض الوزير لواقع المياومين في القطاع، مع بروز خطر فقدان هؤلاء لعملهم، بعد 6 أشهر أو سنة، والسبب بكل بساطة، استسهال الحكومة لإجراءات تخفف الإنفاق بحسب تصورها.
نظرا لصعوبة التوظيف في الدولة اللبنانية، وبسبب حاجة المؤسسات الى تسيير أعمالها، وتغطية النقص في ملاكها وللقيام بمهامها الملحوظة في ملاكاتها الشاغرة بكل الفئات، كانت تلجأ هذه المؤسسات الى إجراء صفقات للإستعانة باليد العاملة الفنية، تُجرى سنويا، بقرار وزير الطاقة، وهذا الواقع الذي بدأ منذ أكثر من 25 عاما، لا يزال مستمرا، لا بل يمكن القول اليوم أنه قد بلغ ذروته بسبب النقص الحاد بالموظفين داخل الملاك، خصوصا أن موازنات 2017، 2019 و2020 تضمنت قوانين واضحة لناحية وقف التوظيف في الدولة اللبنانية.
تريد الحكومة تخفيض حجم القطاع العام، ولكن هل هناك تُخمة في العاملين في مؤسسة كهرباء لبنان والمؤسسات الخاضعة لوصاية وزارة الطاقة؟ الجواب على هذا التساؤل كتبه وزير الطاقة بنفسه، اذ يظهر من خلال الأرقام أنّ المصلحة الوحيدة التي تضم عددا من الموظفين والمياومين اكبر مما هو ملحوظ في الملاك، هي مصلحة مياه لبنان الجنوبي، التي تواجه اتّهامات بالتوظيف العشوائي.
تشير الأرقام الى أنه في كهرباء لبنان يبلغ عدد الملاك 5036 موظفاً، بينما يوجد 1536 موظفاً، و961 مياوماً، ما يعني ان النقص يصل الى 2539 موظفا، في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان يبلغ عدد الملاك 1120 موظفاً، بينما يوجد 374 موظفاً، و480 مياوماً، أي أن النقص يبلغ 266 موظفا. في مؤسسة مياه لبنان الشمالي، عدد الملاك 1256 موظفاً، يعمل فيها اليوم 251 موظفاً، و423 مياوماً، فيساوي النقص 582 موظفا.
في مؤسسة مياه لبنان الجنوبي يبلغ عدد الملاك 872 موظفاً، ويعمل فيها 214 موظفاً، و870 مياوماً، ما يعني ان فيها زيادة موظفين تبلغ 212 موظفا. في مؤسسة مياه البقاع يبلغ عدد الملاك 786 موظفاً، يعمل فيها 174 موظفاً، و234 مياوماً، أي أن النقص يبلغ 378 موظفا، وأخيرا المصلحة الوطنية لنهر الليطاني التي يبلغ عدد الملاك فيها 500 موظف، بينما الموجود حالياً 190 موظفاً، و230 مياوماً، ما يعني أنها تعاني نقصا يصل الى 80 موظف.
إن هذه الأرقام تؤكد أن المشكلة التي يعاني منها القطاع العام ليست بالتوظيف، واعترف وزير الطاقة بأنه لا يمكن توقيف عمل 3198 عاملا مياوما دون أن تتأثر سلامة عمل المرفق العام، فاقترح على مجلس الوزراء، استمرار الإستعانة بهؤلاء لحين ملء الشواغر، واقترح أن يتم التمديد لمدة ستة أشهر لإطلاق صفقة جديدة وهذا التوجّه لاجل "قاديشا"، او التمديد لمدة سنة كاملة، على أن تترافق الموافقة مع ملء الشواغر في ملاكات المؤسّسات.
ترى مصادر متابعة أنه بسبب مناقصات عالقة لدى مؤسسات اخرى مثل قاديشا واحدى مؤسسات المياه أرادت وزارة الطاقة أن تشمل الجميع في جواب واحد للحكومة، مع العلم أنه كان يُفترض بالوزير أن يبحث مع المؤسسات والمصالح على انفراد، حاجتهم للمياومين، وتنظيم هذا الامر بشكل يمنع الفوضى فيه، ويؤدّي الغاية المطلوبة منه، خصوصا أنّ احدا لا يعترض على ضرورة تنظيم ملف المياومين.
من جهته كان لمدير مصلحة الليطاني سامي علوية موقفا متقدما تجاه المياومين، عندما كشف أن المصلحة ستُنهي مرحلة الرقيق الاداري وستُعِد دفتر شروط انساني يحمي حقوق العاملين لصالحها، وعلى اساس الاجر الشهري وليس اليومي وبشكل يعيد الاعتبار لهؤلاء. وفي هذا السياق يشير علوية في حديث لـ"النشرة" الى أن المطلوب تركيب أجور هؤلاء على أساس شهري، وهذا لا يعني تثبيتهم، إنما تمكينهم من الإستفادة من الإجازات، وبدلات النقل.
ويضيف: "رفعنا لوزير الطاقة كتابا شرحنا فيه مبرّرات اللجوء الى اليد العاملة وعددها في مصلحة الليطاني، وأعمالها بالتفصيل، مع العلم انّ المصلحة لديها 230 متعاقدا، بعد ترحيل 45 منهم في العام 2018، ولكل منهم عمله"، داعيا لترك هذا الملف للمعنيين به، أي المؤسسات العامة والوزارة، خصوصا أنّ هذه المناقصات تخضع لقانون المحاسبة العمومية وللانظمة الماليّة للمؤسسات ويتمّ تصديقها بواسطة وزارة الوصاية، وبالتالي تتحمل مسؤولية هذه المناقصات المؤسسات العامة، ما يعني أنها ليست من صلاحية مجلس الوزراء ويمكن لمن يرغب احالتها لبيان رأي ديوان المحاسبة كونها صفقة ولا تتعلق بشؤون وظيفية.
لا يمكن لمجلس الوزراء تمديد مدة أي مؤسسة ربحت في المناقصات إن لم يطّلع فيها على دفاتر الشروط مجدداً، وبالتالي تبقى من اختصاص الوزارة والمؤسسات وعلى مسؤوليتها، فهل ما تقوم به وزارة الطاقة والمياه هو سوء تدبير، أم سوء نية؟.